Tuesday, July 27, 2010

سكان أنقرة ومتعة تسوق الرصيف



صيف أنقرة كما هو لا يتغير‏,‏ سكان العاصمة يرحلون إلي مناطق الجنوب للاستمتاع بالشواطئ والشمس الساطعة‏,‏ ومنهم ولتدابير مالية متقشفة من يتجه إلي الشمال حيث سواحل البحر الأسود‏.

وهؤلاء تحديدا يسرعون للعودة ليس لأن الإجازة انتهت أو للاستفادة من تنزيلات موسم يشرف علي الإنتهاء‏,‏ بل لسبب ثالث أكثر أهمية ألا وهو متعة تسوق الرصيف حيث الباعة الجائلون‏.‏
المدهش أن الأمر لا يحدث خلسة في الاطراف العشوائية بعيدا عن الأعين‏,‏ وانما في قلب العاصمة وعلي بعد خطوات من‏'‏ كيزلاي‏'‏ أكبر ميادين المدينة‏,‏ ويبدو أن مصطلح الاقتصاد الموازي يتم التغاضي عنه لدواع اجتماعية وإنسانية‏,‏ وكأن هناك عقد غير مكتوب بين‏:‏ مروجي بضاعات لا تحاسب ضريبيا ولا تدخل أرقامها في أي حسابات‏,‏ وسلطات المدينة‏,‏ فليس هناك مطاردات أو ملاحقات من قبل مسئولي البلدية‏,‏ والهدف واضح وهو الحافظ علي أرزاق الناس ومنع الاحتقان‏,‏ مقابل الهدوء والبعد عن كل ما يعكر صفو الأمن‏..‏ والسطور التالية تحكي يوما من أيام تسوق الرصيف‏:‏
الساعة تقترب من السابعة‏,‏ ضوء الشمس يتواري تدريجيا آذنا بالغروب‏,‏ وها هي أصوات صرير غلق أبواب الحوانيت تسمع بوضوح‏,‏ وكأنها إشارة لمن يهمه الأمر‏,‏ فبالتوازي تبدو هناك في الشوارع الفرعية المنطلقة من جادة‏'‏ أتاتورك بوليفار‏',‏ أشخاص يهرولون وقد حملوا شنطا ضخمة ــ جاءوا بها من سيارات تعرف جيدا أين تقف ومتي تعود إلي حيث أتت‏,‏ وسرعان ما يلقونها في الأركان وأماكن لا يخطئونها استعدادا للحظة البدء‏,‏ أيضا ينطلق الفتيان والفتيات يفرشون الأرض ينثرون البضاعة المخزونة في بالات‏,‏ وكل منهم يعرف مكانه‏.‏ الطريف أن امكانهم تبدو وكأنها ثابتة كتبت بأسمائهم‏,‏ وبالطبع هذا غير صحيح لسببين الأول هو الخوف علي الرزق من الضياع‏,‏ أما السبب الثاني فهو حرص الجميع علي عدم إثارة زوابع قد تطيح بهم جميعا دون استثناء‏.‏
وما أن تدق الساعة الثامنة مساء إلا وتتحول معها تلك الشوارع إلي خلية نحل‏,‏ فمحال الاقتصاد الرسمي أغلقت أبوابها‏,‏ أما غير الرسمي وهو هنا الشباب العاطل الذي يبحث عن لقمة عيش شريفة‏,‏ تجده وقد انكب علي الحقائب الضخمة يفتحها ويفرغها من محتوياتها‏.‏ وما هي إلا لحظات بعدها تظهر الشوارع في ثوب مغاير‏..‏ محلات‏(‏ دكاكين باللغة التركية‏)‏ صغيرة وأصوات تنادي علي البضاعة دون أن يزاحم أحد الآخر‏,‏ والبضاعة قد تكون متشابهة لكن لا أحد يغتصب زبونا فهناك قناعة وهي أن الأرزاق علي الله‏.‏ والناس تهل‏..‏ من أين جاءت؟ ليس هذا هو المهم فالمهم أنها موجودة‏,‏ وما تريده حاضر وموجود وبأسعار تتحدي‏.‏
فالمعروض يتضمن تقريبا كل شئ أحذية حريمي ورجالي‏,‏ وأطفال‏,‏ وشنط اليد الحريمي بوجه خاص ومنها ما يصلح لأوقات العمل وزيارات النهار‏,‏ ومنها الخاص بحفلات المساء والسهرات السواريه‏,‏ والعطور من جميع الأنواع وتاريخ الصلاحية مطبوع علي الزجاجة‏,‏ فليس هناك غش أو خداع هكذا يخاطبك البائع‏.‏ بالإضافة إلي الإكسسوارات‏,‏ والجمهور من كافة الفئات نساء ورجاال‏,‏ آنسات وشبابا‏,‏ الكل يتفحص بعناية وبدقة متناهية والفصال علي أشده وغالبا ما ينتهي إلي ما يريده الزبون‏.‏
والبضاعة ليست كلها وارد جنوب شرق آسيا كما هو سائد في أسواق مجاورة لتركيا فهناك المنتج في تركيا وهو مدعاة فخر‏,‏ في المقابل هناك المنتج في أوروبا وبعض الباعة يقسم علي أن بضاعتهم جاءت من أشهر بيوت الأزياء العالمية‏.‏ الطريف أن‏'‏ التيشرت‏'‏ ذا الماركة العالمية لا يتجاوز سعر الواحد أكثر من عشر ليرات أي ما يعادل ستة دولارات‏!‏ والحق أن المشترين أصحاب الدخول المحدودة والثابتة لا يعنيهم أسماء بيوت الأزياء وبالتالي فليس لديهم وقت للتحقق من الملكية الفكرية‏,‏ فكل ما يعنيهم هو الأسعار فهي زهيدة صعب أن تجد لها مثيلا في محالات النهار‏,‏ المثير أن المشتري سيدة كانت أم رجلا لا يخجل من الحديث بفخر عن بضاعة الرصيف ويصفها أنها جيدة‏.‏
تسوق الرصيف لا يقتصر علي ذلك فحسب وانما يشمل الأدوات المنزلية بالإضافة إلي الكتب واللوحات والصور والأيقونات والعين الزرقاء خوفا من الحسد‏,‏ والأخيرة عالم في حد ذاته بيد أنه يستحق موضوعا مستقلا خاصا به‏.‏

No comments:

Post a Comment